ذا جاءك كتاب من العمل بحذف علاوة من العلاوات، أو خصم بمرتبك الشهري، فماذا أنت فاعل؟ وما هو رد فعلك ؟
سوف يضيق صدرك وتحزن. أليس كذلك ؟
ولكن ماذا لو جاءك مدير المؤسسة أو الشركة التي تعمل فيها وأخبرك بنفسه أنك مفصول ومطرود من العمل، ماذا سوف تعمل؟؟ إنك سوف تحزن وتقلب الدنيا رأساً على عقب، وتتذكر أولادك وتقول كيف هذا ؟ أنا لدي أولاد، ولدي أقساط والتزامات، وربما تدور بك الدنيا ويدور رأسك، وربما تبكي أو تتوسل إليه لكي يردك إلى العمل.. أليس هذا صحيحاً ؟
ولله المثل الأعلى.. ماذا تقول لو أنك وقفت أمام الله جل جلاله يوم القيامة ويقول لك بنفسه: أنت مطرود من رحمتي ، وسوف تلقى في النار.
أليست هذه خسارة ؟ بل هي الخسارة الكبرى.
وربما تسأل نفسك وتقول: لماذا كل هذا يحصل لي ؟
أقول لك: ألم تكن أنت مسؤولاً عن نفسك في طاعة الله أو عصيانه ؟
ألم تكن مقصراً في واجب من واجبات دينك ؟
لما لم تصلي ؟ لمَ قلّدت الغرب في ملبسهم ومأكلهم وفي طريقة حياتهم؟ لمَ رافقت رفقاء سوء وتركت الصحبة الأخيار ؟ إنك لم تعمل من أعمال المسلمين إلا القليل، ولم تتجرأ في تقليد سنن النبي صلى الله عليه وسلم خشية الاستهزاء بك، أو تكاسلاً، أو كنت تعتقد أنه لا يناسب الزمن الذي تعيش فيه، وقصّرت أيضاً في حق زيارة الرحم، وقصرت في أمور دينك من صلاة وصيام وزكاة وحتى الحج لم تؤديه، رغم أنك سافرت كل بلدان العالم إلا الحج لم تذهب إليه، إنك لو أحببت ربك لأطعته وأحببت داعيه، ولكنك كنت تحب الشيطان وتطيعه في كل أوامره وتجيب داعيه، والمرء مع من أحب، وسيحشر يوم القيامة مع من أحب.
قل لي بالله عليك، ألم تكن تعلم أن الصلاة واجبة عليك ؟
بالطبع تعلم.. ولكن الكسل والكبر والجري وراء لذائذ الدنيا أخذلتك عن القيام بها.
قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ »
ألم تعلم أن العهد الذي بيننا وبين الكفار الصلاة، ومن يتركها فقد يكفر والعياذ بالله ؟
وهذه فتوى لابن عثيمين في ترك الصلاة: "إن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة, فالذي لا يصلي كافر خارج عن الملة, وإذا كان له زوجة انفسخ نكاحه منها, ولا تحل ذبيحته, ولا يقبل منه صوم ولا صدقة, ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم, وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولايدفن مع المسلمين, وإنما يخرج به إلى البر ويحفر له حفرة يرمى فيها, ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي فإنه لا يحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه, لأن الصلاة على الكافر محرمة لقوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله، ولأن الله تعالى يقول: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }" انتهى..
وقد ذكر الإمام الذهبي في كتابه ( الكبائر ) : أن شاباً دفن أخته في المقبرة، وأثناء الدفن سقطت محفظة النقود في قبرها, وعند عودته إلى البيت تبين له أن محفظته ليست معه، وتذكّر أنه ربما تكون قد سقطت في القبر, فعندما رجع إلى قبر أخته وحفر، ظهرت ناراً عظيمة من قبرها، هرب الشاب وعلم أن أخته ماتت على سوء الخاتمةوذهب ليسأل أمه: ماذا كانت تفعل أختي قبل أن تموت ؟ لأنني رأيت ناراً عظيمة تخرج من قبرها قالت: لم تكن تعمل شيئاً غير أنها لم تكن تصلي الصلوات في وقتها.
أخي في الله..
فكر.. هذه حالتها لأنها كانت تصلي ولكن تؤخرها، أحيناً كانت تصلي الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، فما بالك بالذي لا يصلي أبداً. هذا حالها في القبر فقط، فما بالك بيوم القيامة.
إذاً لما الرجل يتعب ليل نهار في حفر زرعه أو بستانه ؟
لأنه يريد أن يحصد ما جنته يداه من تعب عمله، فاليوم لك ما جنيت.
نحن الآن في فصل الصيف والمكيفات تعمل والحر يكاد يقطع أفئدتنا، لا نكاد نتحمل الحر، فما بالك بحر يوم القيامة ألا يستحق أن تتفكر فيه أكثر، لأن الإنسان إذا مات لا يستطيع الخروج من القبر ليعمل العمل الصالح من صلاة وصيام وزكاة وصدقة. ألا يستحق أن تفكر في ظلمة القبر وحره ؟ وضمته على أعضاءك ؟ وأكل الديدان جسدك ؟
هل تريد العذاب لمجرد شهوة قضيتها في الدنيا ؟ أو صلوات لم تصليها ؟ أو قد ألحقت ظلماً بإنسان ضعيف كنت في عز جبروتك وطغيانك ؟
يا أخي.. إن أكبر نعمة هي أنك على قيد الحياة، وتستطيع أن تقول:
"استغفر الله، وأتوب إليك من كل الذنوب" ويكون مخلصاً من قلبك، ويكون العزم على عدم العود إلى الذنوب، لأنك لومت لاينفع الندم والتوبة والاستغفار.
أخي مادام النفس يخرج منك اطلب التوبة، لأن الموت يأتي فجأة، أو ربما يتوقف ويقف القلب ويموت الإنسان وبذلك يكون قد خسر الدارين.
هل تعرف ماذا يعني لو أنك تركت كل المعاصي والذنوب وتبت إلى الله ؟
هذا يعني أن الله سوف يغفر لك كل الذنوب التي أسلفتها من قبل مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ليس هذا فحسب؛ بل إن الله سيبدل كل سيئاتك إلى حسنات.. أليست هذه نعمة كبيرة ؟ أليس ربك غفور رحيم ؟ قال تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان:70].
كم نحن مقصّرون، وكم نحن مذنبون، وكم من ذنب نرتكبه في اليوم والليلة، وكم من نظرة حرام، ومن جلسة حرام، وكم إنساناً على وجه الأرض ينتهك حرمات الله كالزنا وشرب الخمر والقمار والسهر إلى الفجر بدون صلاة ؟
هل تعتقد نحن خلقنا لهذا ؟ أم خلقنا للعبادة والفوز بالجنة ؟
إن الله جعل النساء والأموال والأولاد فتنة لنا واختباراً وجعلها مكاناً للامتحان، لذلك ميّز رب العالمين الإنسان عن الحيوان بالعقل لكي يستخدمه في مكانه الصحيح. هل الحياة صعبة بارتكاب المعاصي ؟؟ كلا إنها سهلة.
ولكن الحياة صعبة بكبت الشهوات، وهذا هو الاختبار الحقيقي!
إذاً ما الفرق بينك وبين البهائم (أعزّك الله) ؟ أنت تأكل وهي تأكل، أنت تنام وهي تنام، أنت تجامع النساء وهي أيضاً لها نفس الوظيفة، ولكن الفرق بينك وبينها أنك تصلي وتصوم وتقوم بباقي العبادات وهي.. لا.
لذا عليك شكر نعم الله عليك؛ وذلك بالعبادات والطاعات له، واجتناب نواهيه.
وبعد هذا ألا يكفي النظر إلى الحرام، والسماع إلى الحرام كسماع الأغاني أو الغيبة أو مشاهدة القنوات الفضائية أو إلى المجلات الساقطة وإلى غير ذلك، واحذر الخلوة بالنساء دون محرم فإن ذلك يؤدي إلى الوقوع في الرذيلة.
واعلم إن الله لن يعذر رجل وصل الخمسين والستين، ويقول غداً سأتوب وغداً سأصلي وغداً سأصوم وغداً وغداً..
وهل يا ترى بقى لك من العمر شيء بعد أن تجاوزت الخمسين أو الستين ؟ هل تعلم متى ستموت ؟ وهل مازال عندك أمل أنك تعيش أكثر مما عشته؟ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَعذ َرَ اللّهُ إِلَى امْرِىءٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً » رواه البخاري.
أنت !!؟ ماذا تريد من هذه الدنيا أكثر مما أخذته ؟ هل أعطيت ربك أكثر مما أخذت ؟
كلا.. فاحذر هذه السقطة؛ أنها من عمل الشيطان، قال تعالى: { يأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة:168].
وعمله أن يسوّف لك ويمنّيك بالأماني المزيفة وذلك منذ أن كنت صغيراً إلى أن تكبر ويقول لك: أنت مازلت صغيراً، وعندما تنهي من الدراسة أو السفر أو الزواج أطلب التوبة من الله واعمل الطاعات، وسوف تدعوا بعد ذلك إلى دين الله، وسوف وسوف وسوف...، إلى أن يقبض الله روحك وأنت في عز لهوك وطيشك، وتأتي إلى الله وهو عليك غاضب، وبعدها تندم وتقول: { رَبِّ ارْجِعُون.لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
أخي في الله..
هل أنت أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
بالطبع لا.. إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ويصوم ويطيع الله ولا يعصي أوامره، الرسول الذي غفر الله له ذنبه ما تقدم وما تأخر كان يطيع ربه بالليل والنهار حتى تتفطر قدماه، فما بالك أنت.. لم يغفر لك ذنبك، ولم يكفّر عن سيئاتك ومع ذلك تعصي الله وتعمل الفواحش والمنكرات وفوق هذا تريد الجنة.. سبحان الله.
أخي..
هذه بعض نصائح من أخ لك يحبك في الله ويخاف عليك، نحن المسلمين نحب بعضنا بعضاً، ولابد أن نتناصح فيما بيننا، وواجبي كمسلم أن أذكّرك بالله، وبعذابه وغضبه ؛ { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }. وإن الإنسان يغفل عن ذكر الله وينسى { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }.
يا أخي..
ألا تريد النجاة من النار ؟ ألا تريد أن تقضي باقي أيامك في الآخرة في نعيم دائم ؟
إذاً لك هذه النصيحة الغالية مني، وهي مجملة في قوله تعالى: { فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }، وتخيّل لو أنك تقضي يوم القيامة باقي أيامك في النار وفي العذاب الأليم مخلداً فيها إلى أبد الآبدين.. وحتى لو خرجت من النار، يا ترى متى سيكون خروجك منها ؟ بعد سنة ؟ أو عشرة سنين ؟ أو بعد قرناً من الزمان؟
إن اليوم الواحد في النار تمر عليك كسنين طوال، يا ترى هل تحب العذاب ؟
بالتأكيد لا أحد يود ذلك، إذاً ماذا عليك أن تفعل ؟
أرجو منك عند انتهائك من القراءة تذهب وتتوضأ وتصلي لله, وتندم على كل عمل عملته, وعلى كل ذنب اقترفته،
وتذكّر الموت.. هذا (الموت) الذي حيّر العلماء على مر العصور.. كيف هو ؟ ومتى يأتي ؟ وما أماراته ؟ وما هي الروح ؟ وكيف تخرج من الجسد ؟ وأين تذهب ؟
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }
أسأل الله العظيم أن يوفّقك في حياتك..
وتفكّر في حال الموتى، وفي قبورهم وكيف يعذّبون، وتحمد الله أن لك بقية في عمرك لكي تتمكن من الاستغفار والتوبة، وتحمد الله إنك مازلت فوق الأرض وليس تحتها، وما زال هناك فرصة للتوبة قبل أن يفوت الفوت.
ونسأل الله العظيم أن يثبتنا على ديننا، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم.
وصلى الله على سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا تنسونا من دعاءكم الصالح..