ألف ليلة وليلة
قصة شهرزاد العجيبة ، بحكاياتها المطربةالغريبة ،
كلها طرائف أدبية، ولطائف غرامية، نوادر فكاهية
وصور جمالية رائعة،أساطير حبٍ بلوحاتٍ فنية خلاّبة
المجلّد الأول
دارالتربية
للطباعة والنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين (وبعد) فان سير الأولين صارت عبرة للآخرين لكي يرى الإنسان العبر التي حصلت لغيره فيعتبر،ويطالع حديث الأمم السالفة وما جرى لهم فينزجر ، فسبحان من جعل حديث الأولين عبرة لقوم آخرين (فمن) تلك العبر الحكايات التي تسمى (ألف ليلة وليلة) وما فيها من الغرائب والأمثال .
(حكاية الملك شهريار وأخيه الملك شاهزمان)
(حكي)(1) والله أعلم أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم ،له ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا فارسين بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان أسمه الملك شهريار ، وكان أخوه أسمه الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم ولم يزل الأمر مستقيماً في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح ، ولم يزالا على هذه احالة إلى ان أشتاق الكبير إلى أخيه الصغير فأمر وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه بالسمع والطاعة وتجّهز للسفر وأخرج خيامه وجماله وبغاله وخدمه وأعوانه وأقام وزيره حاكماً على بلاده وخرج طالباً بلاد أخيه فلما كان نصف الليل تذكّر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد فلما رأى هذا أسودّت الدنيا في وجهه وقال في نفسه اذا كان هذا الأمر وأنا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة اذا غبت عند أخي مدة ثم أنه سلَّ سيفه وضرب الأثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته وساعته وأمر بالرحيل وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه ففرح أخوه بقدومه ثم خرج إليه ولاقاه وسلّم عليه وفرح(2) به غاية الفرح وزيَّن المدينة وجلس معه يتحدث بانشراح ، فتذكَّر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد وأصفّر لونه وضعف جسمه ، فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أنذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه، فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك ثم أنه قال له في بعض الأيام يا أخي أن في باطني جرحاً ، ولم يخبره بما رأى من زوجته ، فقال إني أريد أن تسافر معي إلى الصيد والقنص لعل صدرك ينشرح فأبى ذلك ، فسافر أخوه وحده إلى الصيد وكان في قصره شبابيك تطل على بستان أخيه فنظر واذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً ، وامرأة أخيه تمشي بينهم وهي في غاية الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم ، واذا بامرأة الملك قالت يا مسعود فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها ، وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري . ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولّى النهار فلما رأى ذلك أخو الملك قال والله أن بليتي أخفف من هذه البلية وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال هذا أعظم مما جرى لي، ولم يزل في أكل وشرب ، وبعد هذا جاء أخوه من السفر فسلما على بعضهما ، نظر الملك شهريار إلى أخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه وأحمرّ وجهه وصار يأكل بشهية بعدما كان قليل الأكل ، فتعجّب من ذلك وقال يا أخي كنت أراك مصفرّ اللون والوجه والآن قد رد اليك لونك فأخبرني بحالك فقال له أما تغيّر لوني فأذكره لك وأعف عني عن اخبارك برد لوني فقال له أخبرني أولاً تغيّر لونك وضعفك حتى أسمعه فقال له يا أخي انك لما أرسلت وزيرك الي يطلبني للحضور بين يديك جهّزت حالي وقد برزت من مدينتي ثم اني تذكّرت الخرزة التي أعطيتها لك في قصري فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد أسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت إليك وأنا متفكّر في هذا الأمر فهذا سبب تغيّر لوني وضعفي وأما رد لوني فأعف عني من أن أذكره لك فلما سمع أخوه كلامه قال له أقسمت عليك بالله أن تخبرني بسبب رد لونك فأعاد عليه جميع ما رآه فقال شهريار لأخيه شاه زمان مرادي أن أنظر بعيني فقال له أخوه شاه زمان أجعل أنك مسافر للصيد والقنص وأختفِ عندي وأنت تشاهد ذلك وتحققه عياناً فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر والخيام إلى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم أنه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل علي أحد ثم أنه تنكّر وخرج متخفياً إلى القصر الذي فيه أخوه وجلس في الشباك المطل على البستان ساعة من الزمان واذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال أخوه وأستمرّوا كذلك إلى العصر فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه وقال لأخيه شاه زمان قم بنا نسافر إلى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لأحد مثلنا أو لا فيكون موتنا خير من حياتنا فأجابه لذلك ثم أنهما خرجا من باب سري في القصر ولم يزالا مسافرين أياماً ولياليا إلى أن وصلا إلى شجر في وسط مرج عندها عين ماء بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان فلما كان بعد ساعة مضت من النهار أذ هما بالبحر قد هاج وطلع منه عمود أسود صاعد إلى السماء وهو قاصد تلك المرجة قال فلما رأيا ذلك خافا وطلعا إلى أعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينظرا ماذا يكون الخبر واذا بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر على رأسه صندوق فطلع إلى البر وأتى نحو الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبه ثم فتحها فخرجت منها صبية غراء بهية(3) كأنها الشمس المضيئة كما قال الشاعر:
أشرقت في الدجى فلاح النهار ..... وأستنارت بنورها الأسحار
منسناها الشموس تشرق لما ..... تتبدّى وتنجلي الأقمار(4)
تسـجـد الكائنــات بينيديهـــا ..... حين تبدو وتهتـك الأســتار
واذا أومضــــت بروق حماهـا ..... هطلت بالمدامع الأمطـــــار