كل منا قد يقرأ موضوع أو يستمع إلى موضوع أو حكاية ويتأثر بها ويحاول أن ينقلها إلينا لما في هذا الموضوع أو تلك الحادثة أو هذا الموضوع ويحاول نقلها إلينا بشكل ما ويضعها في قسم القصص والروايات إلا إنها تأخذ شكل الخبر أو النبأ ولكنها تكون بعيدة كل البعد عن أن تكون قصة أو رواية....وذلك لأن للقصة أو الرواية عناصر أساسية تختلف كل منها عن الآخر هذا بالإضافة إلى قدرة الكاتب من حيث الأسلوب والتصوير والتشويق .
لذلك رأيت أنه يجب أن أكتب هذا الموضوع لتوضيح الفرق بين القصة الطويلة ( الرواية ) أو القصة القصيرة( الإقصوصة ) -- لن أناقش المسرحية --
لنرى الفرق بينهما وسوف أثبت نموذج أو أكثر للقصة القصيرة أما القصة الطويلة أو الرواية تجدونها في قصة (غارقات في الحب) التي تكتبها أختنا (ألأستاذة/ الجوهرة) ليتبين لنا الفرق بعدها بين ما نكتبه وبين الحقيقة والتي ستحكمون عليها بأنفسكم.
بسم الله وعلى بركة الله نبدأ
أولاً: نظرة تاريخية
لم يعرف العرب فن الرواية كما هى الآن إلا بعد اتصاله بأوروبا في العصر الحديث ، إلا أن الأدب العربي حافل بأنواع شتى من التراث القصصي من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث ولكنه مختلف عنها في الأسس التى تقوم عليها الرواية التقليدية في أوروبا والتي انتقلت إلينا عبر عدة مراحل:
1- مرحلة الترجمة 2- مرحلة التعريب أو(التمصير) 3- مرحلة التأليف غير الفني 4- مرحلة التأليف الفني.
حتى وصلت إلى الشكل الذي نراه عليها القصة الآن ، ولكل مرحلة من هذه المراحل كتابها المتميزين.
تعريف الروايــــــة:
هي عمل فني يعتمد على عنصر الحكاية التي لها بداية ووسط ونهاية.
فالبداية تكون مشوقة مثيرة ، تجذب القارئ ، وبعدها تأتي مرحلة الوسط فتتوالى الأحداث ويتأزم الصراع ويزداد القارئ تشوقاً....حتى تصل إلى الذروة وبعدها تأخذ الأحداث في الهبوط وتبدأ العقدة تتكشف ... ويأخذ الصراع في الحل تدريجياً حتى يصل إلى النهاية.
النهاية نوعان:
ا- نهاية معقولة: يقدم الكاتب فيها الحل ( كالصلح أو الزواج أو الطلاق)
2- نهاية مفتوحة: لا يقدم فيها الكاتب حلاً ولا ينهي المشكلة أمام القارئ ولكن يجعله يحس بها ، ويحثه على البحث عن حل لها ، فهو مطالب بأن يشارك الكاتب أو المؤلف قلقه من أجل البحث عن حل.
هذا هو تعريف الرواية الشائع الذي عرفت به في أوروبا خلال القرن التاسع عشر وردده النقاد تحت تسميات مختلفة هي ( الرواية التقليدية) لأنها تقوم على على التقاليد الغربية في مجال الفن القصصي، وسميت ( الواقعية ) لأنها تقوم على أحداث واقعية أو تحاكي الواقع بمعنى أنها يمكن أن تقع ، وسميت ب(التشيسكوفية) او (الموباساتية) نسبة إلى تشيكوف الكاتب الروسي المتوفي عام 1904 ، ونسبة إلى الكاتب الفرنسي موباسان المتوفي سنة 1893 الذين أرسوا تقاليد الفن الروائي.
عناصر الرواية:
( الشخصية - الحدث الصراع - البداية - الوسط - الحلوالنهاية)
1- الشخصيات: هم أبطال الرواية وهم من أعمار متفاوتة وبيئات مختلفة، ولهم اتجاهات متنوعة ، وغالباً يكونون من البشر ، وأحياناً يكونون أو بعضهم من الحيوان أو النبات أو الجماد.
2- الأحداث: هي تلك الأفعال التي تقع من الشخصيات ، وقد تتفق أو تختلف ولكنها حتماً تؤدي إلى صراع.
3- الصراع: هو التصادم بين الأحداث المختلفة نتيجة لاختلاف الأراء بين الشخصيات المتعددة.
4- البداية: هي مقدمة القصة التي تجذب القارئ وتساعده على الاندماج في الأحداث.( هنا تكمن براعة الكاتب أو المؤلف في اختيار البداية وأسلوبها)
5- الوسط : هو ذروة الأحداث التي يشتد فيها الصراع وتتداخل وتتشابك وتشوق القارئ.
6- النهاية: هي لحظة التنوير التي تتكشف فيها الأمور ويصل القارئ إلى حل.
تحدثنا عن الرواية كفن غربي انتقل إلينا من الغرب خلال القرنين الماضيين فماذا عن الرواية في الأدب العربي :
يمكن تقسيم التراث العربي القصصي إلى قسمين:
القسم الأول فيه:
1- التراث القصصي الفصيح:
يعتمد أساساٍ على الراوي ، ويختلط فيه الشعر بالنثر ويستخدم لغة فصيحة جزلة ، وغالباً ما تكون له أهداف واضحة خلقية أو تعليمية أو لغوية: وهذا التراث الفصيح أنواع منها:
القصة الدينية: والتي بدأت من العصر الجاهلي مثل قصص الأنبياء من أهل الكتاب السابقين التي أوردها الشاعر الجاهلي ( أمية بن الصلت)، ثم نهضت القصة الدينية بسبب القرآن الكريم مثل قصة(يوسف - موسى - نوح عليهم السلام) وغيرها من القصص ( أصحاب الأخدود - أصحاب البستان- وبلقيس)
2- القصة الفلسفية:
وتدور حول طبيعة النفس البشرية والعلاقة بين العقل والإيمان - والخير والشر - والمجتمع والفطرة - ومن أهم رواد هذا الاتجاه (ابن سينا - وابن طفيل - والسُهْرَوَرْدِي)
3- المقامات:
وهي مجموعة من القطع الأدبية يلقيها أديب فقير في المجالس للتكسب وتتميز بالتركيز على اللغة ، والمهارات البديعية والنحو والصرف ، والعَروض ، وقد يبالغ فيها حتى تصل إلى درجة الغموض وقد بدأها(أ وأجادها ( بيع الزمان الهمزاني) المولود سنة 358هـ والمتوفي سنة398 هـ وهو صاحب كتاب المقامات الشهير، ثم ( القاسم بن الحريري) المولود سنة 446هـ والمتوفي سنة 538 هـ.
4- القصص التي تدور حول العالم الآخر:
وقد لعبت قصة الإسراء والمعراج دوراً كبيراً في ازدهار هذا النوع ، فأُلِفَتْ قصص كثيرة يقوم أصحابها برحلة إلى الجنة والنار، ويلتقون بالسابقين، ويتطارحون معهم الأحاديث والنوادر ةالأخبار وقصص التاريخ مثل (رسالة الغفران- لأبي العلاء المعري) المتوفي سنة 449هـ، (رسالة التوابع والزوابع- لآبن شهيد ألندلسي ) المتوفي سنة 426 هـ.
القسم الثاني:
التراث القصصي الشعبي:
ويدور حول البطولات والانتصارات والتغلب على الظالمين مثل ( سيرة عنترة - والأميرة ذات الهمة - وسيف بن ذي يزن - وأبي زيد الهلالي - وعلي الزيبق) وغيرها ويتمز بالخيال الخصب وطول النَّفَس المتمثل في الحكايات المتداخلة ، والتعبير عن رغبات الشعب وأماله ، ولغته عامية هي لغة طبقات الشعب وأحياناً تكون هابطة ومبتذلة مما جعل النقاد القدامى ينفرون منها ويحذرون من انتشاره ، إلا أنه في منتصف القرن العشرين اكتشفوا فيه من دلالات اجتماعية وفنية عملوا على جمعه وتهذيبه وصوغه بلغة أدبية من هؤلاء النقاد : أحمد رشدي صالح، وفاروق خورشيد ، وطاهر أبو فاشا الذي أعاد كتابة ألف ليلة وليلة ، وتابعه عبد السلام أمين ، وأحمد بهجت وغيرهم.
وإلى فن القصة القصيرة